قصة سيدنا موسى عليه الســـلام
(وأوحينا الى ام موسى ان ارضعيه فاذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني)
بسم الله الرحمن الرحيم
هي من بني اسرائيل الذين نزحوا الى مصر منذ عهد يوسف بن يعقوب عليهما السلام.
وقد ذكر ذلك الثعلبي في كتابه العرائس مارواه وهب بن منبه قصة نزوحهم الى مصر مرتبطة باستقرار يوسف فيها حيث عهد اليه بوزارة التموين بعد ان انقذ اهلها من مجاعة سبعة اعوام كانت تتهددها الا انه بتفسيره الرؤيا التي رآها ملك مصر استطاع ان يعد للامر عدته.
وقد حكى لنا القرآن الكريم عن هذه السنين العجاف في سورة يوسف.
هنا نرجع الى قصة ام موسى فالقرآن الكريم لا يذكر لنا عن والد موسى شيئا وتربيته له، وانما يخص بالذكر امه حيث قال تعالى: (وأوحينا الى ام موسى ان ارضعيه فاذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني انا رادوه اليك وجاعلوه من المرسلين) من سورة القصص الى قوله تعالى: (واصبح فؤاد ام موسى فارغا ان كادت لتبدي به لولا ان ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين)، وقالت لاخته قصيه فبصرت به عن جنب وهم لا يشعرون وحرمنا عليه المراضع من قبل فقالت هل ادلكم على اهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون. فرددناه الى امه كي تقرعينها ولا تحزن ولتعلم ان وعد الله حق ولكن اكثرهم لا يعلمون) القصص.
وهنا نعود قليلا الى الوراء الى قصة فرعون مصر وقتله للاطفال التي يرويها لنا القرآن الكريم في اكثر من موضع وقد ذكرت لنا كتب التاريخ القديمة سبب هذه القصة فيما يروي الاخباريون من ان فرعون رأى في منامه رؤية افزعته!!
تقول الرواية: انه استدعى الكهنة والمعبرين والمنجمين فسألهم تأويل رؤياه فقالوا: يولد في بني اسرائيل غلام يسلبك الملك ويغير دينك ويخرجك وقومك من ارضك. وقد اضلك زمانه.
قالوا: فجن جنونه وثار غضبه وامر بقتل كل غلام يولد لبني اسرائيل وجند لذلك الرجال والنساء والقوابل في كل مملكته.
وهنا ما يعنينا هو امر موسى وامه حيث اوكل الله سبحانه وتعالى اليها امره وكيف القته في اليم وذلك بأمر من الله عز وجل (وأوحينا الى ام موسى ان ارضعيه فاذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني انا رادوه اليك وجاعلوه من المرسلين).
حملت يوكابد بموسى واثناء الحمل توفى ابوه ولما ولدته خافت عليه وذلك بعد ان ذبح فرعون في طلبه سبعين الف ولد على ما يقولون فارتجفت امه خوفا ورعبا واشفقت عليها القابلة.
قال الثعلبي: وبقيت يوكابد ام موسى في جزع وخوف ووعدتها القابلة ان تكتم الامر. واضاف بعض الرواة: ان الحرس ابصر بالقابلة وهي تخرج من بيت ام موسى فاقتحموا المنزل ودون ان تشعر يوكابد لفت الوليد في خرقة ورمته في التنور.
فسألوا الحرس يوكابد عن سبب دخول القابلة قالت هي صديقة لي جاءت زائرة. ففتشوا المنزل ولم يعثروا على شيء ورأوا التنور والنار تلتهب فيه فلم يشكوا وخرجوا.
فاخرجته من التنور ولم يصب باذى بمشيئة الله ثم ان الله سبحانه وتعالى اوحى الى يوكابد ان ترضعه ثم تعد له تابوتا وتضعه فيه ثم تلقيه في اليم. وطمأنها الله بأنه سيرده اليها سالما بل سيختاره فيما بعد رسولا مبلغا لرسالات الله فاستسلمت لامر الله تعالى وفعلت ما امرها به.
قال الثعلبي: فالقته في اليم واحتمله الماء حتى مر على روضة في قصر فرعون فالتقطه الجواري فاحتملنه وذهبن به الى سيدتهن آسية امرأة فرعون ولايدرين ما فيه فلما فتحت آسية التابوت وجدت فيه طفل من احسن الخلق واجمله فأوقع الله محبته في قلبها حين نظرت اليه.
وكانت ام موسى يوكابد في بيتها تجتر همومها واحزانها على فلذة كبدها.
(واصبح فؤاد ام موسى فارغا ان كادت لتبدي به لولا ان ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين).
ثم قالت لاخته مريم قصيه وتتبعى اثره هل تسمعين له ذكرا. فخرجت مريم فبصرت به عن جنب وهم لا يشعرون قال قتاده مارواه عن السدى: ان آسية لما اخرجت موسى من التابوت فرحت به فرحا كثيرا ورجته من فرعون ان لا يذبحه.
فقالت له: قرة عين لي ولك لا تذبحوه. قال: قرة عين لك انت اما انا فلا حاجة لي به. قالوا: ثم قال لا بل يذبح فاني اخاف ان يكون هذا المولود هو سبب زوال ملكي. فتوسلت اليه آسية فتركه لها.
فعرضوا عليه المراضع فلم يقبل منهن ثديا. فخرجوا به الى خارج القصر لعلهم يجدون امرأة تصلح لرضاعته. فلما رأته اخته مريم بأيديهم عرفته ولم تظهر ذلك لهم ولم يشعروا بها واراد الله تعالى ان يرجع موسى الى امه لترضعه وهي مطمئنة حيث وعدها الله سبحانه وتعالى (انا رادوه اليك وجاعلوه من المرسلين).
قال الثعلبي: لما اخبرتهم اخته وقالت لهم هل ادلكم على اهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون. احاطوا بها يسألونها فقد رابهم ما سمعوا منها ما يدريك انهم له ناصحون لا شك انك تعرفينهم؟ او انك تخفين امرا.
فقالت لهم : ليس الامر كما تظنون كل ما اعرفه عنهم انهم اناس عرفوا بالرحمة وطيب القلب فلا شك وانهم سيرحبون بالطفل رغبة في سرور الملك ورجاء لفضله.
قالوا ثم ذهبوا معها الى المنزل حيث يوكابد تقاسي اشواقها وتجترهموها على الصغير الغالي ثم دخلوا على ام موسى ولم تصدق نفسها من اغلى مفاجأة لها. فتماسكت اعصابها وامسكت صرخة فرح كادت تخرج من لسانها.
فاعطته ثديها فالتقمه ورضع حتى ارتوى فما كان اشد عجب القوم عندما التقم الثدي. وقيل انهم اصطحبوا يوكابد الى قصر فرعون حيث رجتها آسية ان تقيم معها لترضع موسى ولكنها اعتذرت اليها ان لها بيتا وعيالا وليست بتاركتهم ابدا.
هنا يبدو الموقف جليا. فقد رأت يوكابد ان الله انجزها ما وعدها به ثم رحمته بها وبولدها. وادركت انها الآن هي سيدة الموقف لذلك تعاسرت على امرأة فرعون على انها اذا تريد ان ترضع ولدها فلتصحبه معها الى البيت: وقد اوردت هذه الرواية بنت الشاطئ في كتابها (تراجم سيدات بيت النبوة في فصل امهات الانبياء).
قالت : ان ام موسى تعاسرت على امرأة فرعون في ارضاع موسى. فهي لا تستطيع ان تكبت عواطفها واشواق امومتها كي لا يستريب القوم من امرها وهو شيء لا تطيقه امومتها. او ان تترك نفسها على سجيتها فتدفع بالوليد الى المذبحة فهي بين امرين احلاهما مر.
لذلك تذكرت ما وعدها الله به. وقبلت آسية ما اشترطت عليها يوكابد فرجعت به الى بيتها لتروي عواطفها وتشبع غريزة امومتها. ورده الله اليها كما وعدها. ان الله لا يخلف الميعاد