--------------------------------------------------------------------------------
اختلاف الفرق الإسلامية
واعلم أنه كما أخبرنا الله تعالى عن الأمم السابقة أنهم اختلفوا اختلافا شديدا وافترقوا افتراقا بعيدا, وفي ذلك أعظم واعظ وأكبر زاجر عن الاختلافات والتفرق, ولم يقتصر سبحانه في تذكيرنا بذلك بل زجرنا عن الاختلاف زجرا شديدا, وتوعد على ذلك وعيدا أكيدا فقال تعالى: {وَلا تَكُونُوا كَالذِّينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدَ مَا جَاءَهُمْ البَيِّنَاتُ وَأُوَلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيم, يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُ وُجُوه} (آل عمران/105-106), قال ابن عباس رضي الله عنهما: تبيض وجوه أهل السنة والائتلاف، وتسودّ وجوه أهل البدع والاختلاف . ثم فصل تعالى مآل الفريقين، وأين توصل أهلها كل من الطريقين فقال تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ {106} وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (آل عمران/106-107) وحذرنا عن ذلك نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي هو أولى بنا من أنفسنا فقال صلى الله عليه وسلم: ((ألا وإن من كان قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على اثنين وسبعين ملة, وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين, ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهم الجماعة)) , وفي بعض الروايات ((هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي)) .
وقد حصل مصداق ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم وهو الصادق الصدوق من الافتراق, وتفاقم الأمر وعظم الشقاق فاشتد الاختلاف ونجمت البدع والنفاق. فافترقوا في أسماء الله تعالى وصفاته إلى نفاة معطلة, وغلاة ممثلة .
وفي باب الإيمان والوعد والوعيد إلى مرجئة ووعيدية من خوارج ومعتزلة .
وفي باب أفعال الله وأقداره إلى جبرية غلاة وقدرية نفاة .
وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته إلى رافضة غلاة وناصبة جفاة, إلى غير ذلك من فرق الضلال, وطوائف البدع والانتحال, وكل طائفة من هذه الطوائف قد تحزبت فرقا وتشعبت طرقا, وكل فرقة تكفر صاحبتها وتزعم أنها هي الفرقة الناجية المنصورة .