تعتبر السكتات الدماغية من الأسباب الرئيسة للوفاة على مستوى العالم،
وحوالي نصف هذه السكتات ناتج عن نزيف المخ التلقائي. ويمثل النزيف تحت
الغشاء العنكبوتي للمخ نحو الثلث مع أنواع النزيف بالمخ، ولكنه أكثرها
خطورة على حياة المريض.
وعلى الرغم من أن بعض الدراسات القديمة أظهر
عدم انتشار هذا النوع من النزيف في منطقتنا بكثرة، فإننا نرى أن الواقع غير
ذلك لأن المشكلة نفسها كانت موجودة في بعض الدول مثل اليابان وفنلندا، فقد
كان يعتقد أن هذا النوع من النزيف غير منتشر عندهم في بداية الستينيات،
ولكن الدراسات الحديثة أوضحت أنه منتشر بكثرة لدرجة وجود أكثر من خمسين
حالة لكل مائة ألف نسمة، ولذلك أعتقد أن ندرة هذا النوع من النزيف في
منطقتنا يرجع إلى عدم القدرة على تشخيصه مبكراً وتداخل تشخيصه مع بعض
الأمراض الأخرى، وذلك لكثرة الأعراض التي يمكن أن يحدثها النزيف تحت الغشاء
العنكبوتي، والذي يحدث عادة انفجار أمهات الدم الدماغية (ONEURYSM) في نحو
80% من الحالات، وكذلك بسبب التشوهات الوريدية الشريانية وبعض العيوب
الخلقية للأوردة الشريانية والشعيرات الدموية للمخ.
ولتشخيص هذا النوع
من النزيف يجب معرفة الأعراض التي يمكن أن يحدثها، وأهمها الصداع الشديد
جداً والذي يصفه المريض "إذا كان في وعيه" أنه أكثر أنواع الصداع ألماً
وأقواها شدة، وغالباً ما يكون ذلك مصحوباً بألم في الرقبة وصعوبة في حركتها
وكذلك ارتفاع في درجة الحرارة، وزغللة بالعين، وفقدان مؤقت للوعي أو فقدان
كامل وغيبوبة عميقة.
وفي حالة الاشتباه في وجود هذا النوع من النزيف
بالمخ، يجب عمل أشعة مقطعية على المخ مباشرة، لكي نتعرف على كمية ومكان
النزيف لإمكانية عمل تدخل جراحي عاجل للمريض في حالة وجود تجمع دموي كبير
بالمخ أو تضخم ببطينات المخ، ولكن الأشعة المقطعية لا تحدد بالقطع سبب
النزيف، ولذلك يتم عمل أشعة بالرنين المغناطيسي على شرايين المخ (M.R.A) أو
أشعة مقطعية ثلاثية الأبعاد على الشرايين 3D CT ANGIOGRAM، ولكن تبقى
الأشعة السينية بالصبغة على شرايين المخ CEREBRAL ANGIOGRAM هي الفحص
الأمثل لتشخيص هذه الأسباب.
تختلف الحالة الإكلينيكية للمرضى المصابين
بالنزيف العنكبوتي بالمخ عن غيرهم، وتتراوح بين وجود الصداع فقط في بعض
المرضى وغيبوبة كاملة في مرضى آخرين ولكن في كل الحالات يجب أن يتولى علاج
هؤلاء المرضى فريق جراحي مكوَّن من جراح مخ وأعصاب واستشاري العناية
المركَّزة لحين اتخاذ القرار بالتدخل الجراحي للمرضى، فإذا أظهرت أشعة
شرايين المخ وجود أمهات الدم الدماغية (ONEURYSM) يجب التدخل الفوري
بالجراحة لغلق هذا الONEURYSM بوضع مشبك على عنق أم الدم، وذلك حتى نمنع
تكرار النزيف، الذي قد يحدث بكثرة في الأيام الأولى، ويكون أشد خطورة
وفتكاً من أول مرة، وكذلك حتى يتسنى زيادة الضغط الدموي للمريض وزيادة كمية
السوائل بدمه حتى نزيد كمية الدم الداخلة للمخ، وبذلك نحاول منع حدوث ضيق
أو انسداد في شرايين المخ، والذي غالباً ما يحدث بداية من اليوم الرابع بعد
النزيف وخلال الأسبوع الأول.
أما إذا تعذر عمل تدخل جراحي للمريض لأي
سبب كوجود الONEURYSM في مكان عميق أو لسوء حالة المريض ووجوده في غيبوبة
كاملة، فإننا في هذه الحالة نلجأ لاستخدام قسطرة المخ لوضع CAILS داخل
الANEURYSM، وهو تطور حديث لعلاج هذه الحالات ويحتاج إلى إمكانات قد لا
تتوافر إلا في بعض المراكز الكبرى، وتعتمد نتائج هذه الجراحة في هذه
الحالات على حالة المريض الإكلينيكية قبل إجراء الجراحة، فكلما كانت حالة
المريض أفضل كانت النتائج أحسن.
يبقى أن نقول إذا تم التشخيص الصحيح
والعلاج المبكر للنزيف تحت الغشاء العنكبوتي للمخ يمكن التقليل من خطورته
على المريض.
ولكم تحيتي