الاخذ في الاسباب في الامور الدنيوية
كان صلى الله عليه وسلم يوجه أصحابه دائما إلى مراعاة هذه السنة
الربانية، في أمورهم الدنيوية والأخروية على السواء, ففي أمورهم كان النبي
صلى الله عليه وسلم يرشدهم دائما إلى الأخذ بما يمكن من أسباب للوصول إلى
حياة كريمة بعيدا عن ذل السؤال ومهانة العوز والحاجة، روى أبو داود
والترمذي عن أنس - رضي الله عنه - أن رجلا من الأنصار أتى النبي صلى الله
عليه وسلم فسأله عطاء، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: أما في بيتك شيء؟
قال: بلى. حلس نلبس بعضه، ونبسط بعضه، وقعب نشرب فيه، قال: ائتني بهما،
فأتاه بهما، فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وقال: من يشتري مني
هذين؟ قال رجل: أنا آخذهما بدرهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من
يزيد على درهم؟ مرتين أو ثلاثا، فقال رجل: أنا آخذهما بدرهمين، فأعطاهما
إياه فأخذ الدرهمين، وأعطاهما الأنصاري، وقال له: اشتر بأحدهما طعامًا
فانبذه إلى أهلك، واشتر بالآخر قدوما فائتني به، فأتاه به، فشد فيه رسول
الله صلى الله عليه وسلم عودًا بيده، ثم قال: اذهب فاحتطب وبع، ولا أرينك
خمسة عشر يوما, فجاء وقد أصاب عشرة دراهم، فاشترى ببعضها ثوبًا، وببعضها
طعامًا, فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا خير لك من أن تجئ
المسألة نكتة سوداء في وجهك يوم القيامة. رواه أبو داود، كتاب الزكاة، باب:
ما تجوز فيه المسألة (2/120).
«وهذا نفس المعنى الذي أشار إليه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -
رضي الله عنه - حين قال للكسالى القابعين في المسجد ينتظرون الرزق: لا
يقعدن أحدكم عن طلب الرزق ويقول: «اللهم ارزقني» وقد علم أن السماء لا تمطر
ذهبًا ولا فضة، وإن الله تعالى يقول: "فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ
فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ..."
[الجمعة: 10]. نعم، لابد من بذل الجهد، لأن الأخذ بالأسباب والكدح للحصول
على ما يرغب الإنسان في تحقيقه هو ذاته من سنن الله تعالى...»